السؤال : زوجي يجبرني على لبس النقاب ، وأنا رافضة لأن هذا اتفاق بيننا من الخطبة ووافق عليه ، وبعد الزاج أجبرني على العباية والنقاب، فوافقت على العباية ورفضت النقاب ، وقال إذا لم ألبس سوف يطلقني مع أنه غير ملتزم فما حكم الشرع في هذا العمل ؟
الجواب : الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
فإن مسألة لبس النقاب اختلف العلماء فيها اختلافا مشهورا وأسهل القولين فيها أنه مستحب . وسؤالك يقودنا إلى مسألة هل تجب طاعة الزوج مطلقا أم لا وما هي ضوابط طاعة الزوجة لزوجها . وفيما يلي بيان ذلك إن شاء الله تعالى
نقول إن طاعة الزوج لا تخلوا من حالتين :
الحالة الأولى : أن يكون أمره في معصية الله : وفي هذه الحالة لا يجوز للزوجة طاعته بالإجماع، ويجب تقديم طاعة الله على طاعة الزوج . لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ)[1]
قال القرطبي في المفهم: يعنى بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ ولا معصية فتدخل فيه الطاعات الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعًا، فلو أمر بجائزِ لصارت طاعته فيه واجبة، ولما حَلَّتْ مخالفتُه.هـ.
الحالة الثانية : أن يكون أمر الزوج في غير معصية : وفي هذه الحالة تجب الطاعة بالشروط التالية :
الشرط الأول : أن تكون الطاعة وفق الاستطاعة والقدرة
وهذا شرط في كل التكاليف الشرعية سواء كانت من الشارع مباشرة أو ممن أمر الشارع بطاعته، فلا يجوز التكليف بما لا يستطاع عادة , وقد دل على ذلك كثير من النصوص القرآنية والنبوية، ومنها:
– قوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾(البقرة:286)،
– وقال تعالى:﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ﴾(الطلاق:7)
– وقوله – صلى الله عليه وسلم – 🙁 إخوانكم خولكم, جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفوهم ما يغلبهم , فإن كلفتموهم فأعينوهم )
الشرط الثاني : أن تكون الطاعة مقيدة بالمصلحة وعدم المضرة .
فالمصلحة الشرعية وانتفاء المضرة من أهم الضوابط التي تحكم كل التكاليف الشرعية، فلا يصح أن تكلف الزوجة بما لا معنى له، أو أن تكلف بما فيه مضرتها،
ويدل على هذا القاعدة الشرعية التي نص عليها قوله – صلى الله عليه وسلم -:( لا ضرر ولا ضرار)[2]
وقد ورد في الحديث التصريح بهذا المعنى، فقد جاء في الصحيح عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»[3]
قال السعدي: هذا الحديث ـ يعني حديث: إنما الطاعة في المعروف.
قيد في كل من تجب طاعته من الولاة والوالدين والزوج وغيرهم، فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء، وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله، وكلها بالمعروف، فإن الشارع رد الناس ـ في كثير مما أمرهم به ـ إلى العرف والعادة، كالبر والصلة والعدل والإحسان العام، فكذلك طاعة من تجب طاعته، وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم أو ترك واجب، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، فإذا أمر أحدهم بقتل معصوم أو ضربه أو أخذ ماله أو بترك حج واجب أو عبادة واجبة، أو بقطيعة من تجب صلته، فلا طاعة لهم، وتقدم طاعة الله على طاعة الخلق ويفهم من هذا الحديث: أنه إذا تعارضت طاعة هؤلاء الواجبة ونافلة من النوافل، فإن طاعتهم تقدم، لأن ترك النفل ليس بمعصية، فإذا نهى زوجته عن صيام النفل أو حج النفل أو أمر الوالي بأمر من أمور السياسة يستلزم ترك مستحب، وجب تقديم الواجب، وقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الطاعة في المعروف.
كما أنه يتناول ما ذكرنا، فإنه يتناول ـ أيضا ـ تعليق ذلك بالقدرة والاستطاعة، كما تعلق الواجبات بأصل الشرع.هـ.[4]
وقال الشيخ الألباني: الزوج له من الطاعة على زوجته كالحاكم المسلم على شعبه، الحاكم المسلم الذي يحكم بما أنزل الله وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا نهى الشعب المسلم عن شيء مباح في الأصل يصبح هذا الشيء حراماً، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر في غير ما حديث بطاعة ولاة الأمر، بل الله عز وجل قبل ذلك قال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ {النساء:59}.
لكن هذه الطاعة المطلقة قيدها في قيد واحد، قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الحاكم إذا أمر بمعصية لا طاعة له ولا سمع، وكذلك الزوج إذا أمر زوجته بمعصية لا سمع له ولا طاعة، لكن الزوج إذا أمر زوجته بأمر مباح، ومعنى مباح هنا أي: ليس عليها ضرر، فإذا وجد الضرر أصبح غير مباح فبمعنى الكلمة: إذا الزوج أمر زوجته بأمر مباح فعليها أن تطيعه.هـ.[5]
وقال رحمه الله: (فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها فبالأولى أن يجب عليها إطاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادها وصلاح أسرتهما ونحو ذلك من الحقوق والواجبات)[6]
وهذا كله في ما لو لم تشترط المرأة عليه عدم لبس النقاب ، أما إذا اشترطت وقبل الزوج هذا الشرط ، فأنت غير ملزمة بطاعته في لبس النقاب والمسلمون عند شروطهم والله أعلم .
[1] رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)
[2] أخرجه مالك في الموطأ (31) وأحمد في المسند (2865)
[3] رواه البخاري (4340 )
[4] بهجة قلوب الأبرار(1/132)
[5] من سلسلة دروس الشيخ المفرغة رقم الشريط (35 )
[6] آداب الزفاف 1/282