استخدام العطور الكحولية( رؤيةشرعية)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن التطيب مسنون للرجال والنساء وهو من محاسن الأعمال ومكارم الأخلاق وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( حبب إلي من ديناكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة ) .
والعطور التي أصبح يستخدمها الناس اليوم لا تكاد تخلوا غالباً من الكحول التي تذيب المادة الدهنية في العطر مما يسهل رشه على الجسم والثياب ، ومن المعلوم أن المسلم مطالب بطهارة بدنه وثيابه للصلاة وغيره ، فتولد من هذا استشكال لدى المسلم عند استخدامه لمثل هذه العطور المخلوطة بالكحول هل هي نجسة أم طاهرة
وتعبتر هذه المسألة من النوازل العصرية التي اختلف فيها العلماء وتباينت آراؤهم محرم مطلقا وبين مجيز مطلقا وبين من قال بالتفصيل .
وللإجابة على هذا الإشكال وإيضاح الحكم الشرعي فيه فإنه لا بد من معرفة ماهية المادة المخلوطة مع الطيب وما حكمها شرعا وكيف تخلط وهل تقاس على الخمرة وسأبين كل هذا في مباحث منفصلة على النحو التالي :

المبحث الأول : بيان حقيقة الكحول وفيه مطالب :
المطلب الأول : تعريفه .
المطلب الثاني : أنواعه وبيان المسكر وغير المسكر منه .
المطلب الثالث : استعمالاته وطريقة خلطه مع العطور .

المبحث الثاني : وهل هي نجسة أم طاهرة ، وفيه مطلبان :
المطلب الأول : تعريف الخمر
المطلب الثاني : حكم استعماله وبيان علة التحريم .
المطلب الثالث : هل الخمر طاهر أم نجس

المبحث الثالث : العطور الكحولية
المطلب الأول : تعريفها وبيان أنواعها
المطلب الثاني : عناصرها الأساسية وحكم طهارتها .
المطلب الثالث : كيفية تركيبها ونسب خلط المواد
المطلب الرابع : الحكم الشرعي للسائل العطري المخلوط . 
المبحث الأول : بيان حقيقة الكحول وفيه مطالب :
المطلب الأول : تعريفه .
المطلب الثاني : أنواعه وبيان المسكر وغير المسكر منه .
المطلب الثالث : استعمالاته وطريقة خلطه مع العطور .

المطلب الأول : تعريف الكحول .
الكحول في اللغة :

المسألة الأولى
هل الخمرة نجسة أم طاهرة
وقد اختلف أهل العلم في نجاسة الخمر نجاسة عينية إلى قولين مشهورين :
القول الأول : أنها نجسة العين . نجاسة مغلظة كالبول والغائط والدم .
وهو قول جمهور أهل العلم ، واتفقت المذاهب الأربعة عليه ( الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ) ووافقهم ابن حزم من الظاهرية وجمع من المحققين أشهرهم ابن تيمية( ) وابن القيم( ) ، ونقل بعضهم الإجماع على ذلك( ) وهو بعيد .
الأدلة على نجاستها:
• الدليل الأول : قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه) [المائدة 90]قالوا لقد وصف الله الخمر بالرجس والرجس هو النجس , فدل هذا على أنها نجسة نجاسة حسية . وقيل أن أصله من الركس وهو العذرة والنتن .
قال القرطبي : (فهم الجمهور من تحريم الخمر واستخباث الشرع لها وإطلاق الرجس عليها والأمر باجتنابها الحكم بنجاستها )( )
وقال ابن حجر -رحمه الله-: والتمسك بعموم الأمر باجتنابها كاف في القول بنجاستها.( )
مناقشة الدليل : يرد على هذا الاستدلال بأنه لا يظهر من هذه الآية دلالة ظاهرة بنجاسة الخمر ؛ لأن الرجس عند أهل اللغة القذر وليس كل قذر نجس ولا يلزم من ذلك بحال ، وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة فليس كل ما أمر بالاجتناب منه نجس .( )
ثم إن لفظة ( رجس ) مشتركة محتملة تحتمل النجاسة المادية والمعنوية ولا يجوز نقل شيء عن أصله بمحتمل .
وقد يرد على هذا الاستدراك بأن قوله تعالى (رجس) يقتضي نجاسة العين في الكل ، فما أخرجه نص أو إجماع خرج بذلك ، وما لم يخرجه نص ولا إجماع لزم الحكم بنجاسته ، والخمر هنا لم يأت نص يخرجها من النجاسة العينية ، بل النصوص تعضد القول بنجاستها –كما سبق-فلزم القول بنجاستها.
ومما يستدرك به على الاستدلال بهذه الآية ان دلالة الاقتران تخرج الخمر عن النجاسة الحسية فاقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام يدل على أن نجاستها معنوية إذا لا يمكن أن يقال بأن الأنصاب والميسر نجسة العين . ( )
وقد يرد على هذا الاستدراك بأنه لا يضر قرن الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة ؛ لأن هذه الثلاثة خرجت بالإجماع فبقيت الخمر على مقتضى الكلام .
• الدليل الثاني : قوله تعالى : (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ) [ الإنسان 21] .
قالوا : إن الله امتن على المؤمنين بطهارة خمر الجنة ، فدل مفهوم المخالفة على أنها نجسة في الدنيا فطهرها الله لهم ولو كانت خمرة الدنيا طاهرة لفات مقصود هذا الامتنان ( ) .
مناقشة القول : ان الآية في معرض الامتنان على المؤمنين بخمر الجنة ، وليس فيه ما يدل على نجاسة خمر الدنيا ، إذ أن وصف الشيء بالطهارة لا يلزم منه وصف غيره بالنجاسة . ثم إن النجاسة حكم شرعي على خلاف الأصل يحتاج إثباته إلى دليل صريح ينقله عن البراءة الأصلية. ومفهوم المخالفة ليس ملزما عند الأصوليين ، وقد يقال : إن قوله – شرابا – يشمل عموم الشراب فيلزم من إعمال دلالتها بأن يقال بأن شراب الدنيا من لبن وعسل ونحو ذلك أيضا نجس.

• الدليل الثالث : إن كل الأوصاف التي مدح بها الله تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا كقوله تعالى : ( لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْـزَفُونَ ) وقوله: (لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْـزِفُونَ ) بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول ، وأهلها يصدعون أي يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها( )
مناقشة القول : يرد على هذه الاستدلال أن هذا في غير مورده ، فالخلاف ليس في اسكار خمر الدنيا وإنما في نجاستها والآية تنفي الإسكار عن خمر الآخرة فالاستدلال بالمقصود بعيد.
• الدليل الرابع: حديث أبي ثَعلبةَ الخُشنيِّ رضي الله عنه قال :((يا رسولَ الله، إنَّا بأرضٍ أهلُها أهلُ الكتاب؛ يأكلون لحم الخِنزير، ويَشربون الخمر؛ فكيف بآنيتهم وقُدورهم؟ فقال: دعوها ما وجدتُم منها بُدًّا، فإذا لم تجِدوا منها بُدًّا فارحضوها بالماء، أو قال: اغسلوها ثم اطبخوا فيها وكُلو)( )
وجه الدلالة من الحديث : أن سؤال أبي ثعلبة يدل على أن نجاسة الخمرة كانت متقررة عندهم لذلك شعر أبو ثعلبة بالحرج فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومما يدل على نجاسة الخمر أمر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بغَسْل الإناء الذي شُرِب فيه ، ولو كان طاهرا ما أمرهم بذلك .
قال الخطابي : والأصل في هذا أنه إذا كان معلوما من حال المشركين أنهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر . فإنه لا يجوز استعمالها إلا بعد الغسل والتنظيف( ) .
مناقشة القول : يناقش هذا الدليل : بأن الأمر في قوله 🙁 فاغلسوا ..) ينصرف إلى تطهيرها من لحم الخترير لما جاء الدليل صريحا بحقه. واذا استعمل الإناء في نجس وطاهر حكم بنجاسته . وقد يقال : أن الأمر بغسل أثر الخمر من باب الاجتناب والتشديد في تركه من باب قوله تعالى 🙁 فاجتنبوا ) .

القول الثاني : أن الخمرة طاهرة العين .
وينسب هذا القول إلى : ربيعة شيخ الإمام مالك ، والليث بن سعد ، وداود الظاهري والمزني صاحب الشافعي( ) قال القرطبي: وهو قول طائفة من القرويين والبغداديين( ) ، ومن المعاصرين اختار هذا القول الصنعاني( ) الشوكاني( )، واختيار ابن عثيمين( ) والألباني( ) .
الأدلة على طهارتها :
استدل القائلون بطهارة الخمر بما يلي :
• الدليل الأول : حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: (كنتُ ساقي القوم في منزل أبي طلحةَ، وكان خمرُهم يومئذٍ الفَضيخَ، فأمَر رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مناديًا ينادي: ألَا إنَّ الخمر قد حُرِّمت، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرجْ فأَهْرِقْها، فخرجتُ فهرقتُها، فجرَتْ في سِكك المدينة…) .( )
وجه الدلالة : أنَّ الخمر لو كانتْ نجسةً لما أراقوها في طرُق المسلمين؛ ولما أقرَّهم الشارع على ذلك؛ فإنَّ طرقاتِ المسلمين لا يجوز أن تكون مكانًا لإراقة النَّجاسة . ولنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها كما نهاهم عن التخلي في الطرقات .
مناقشة الدليل : رد الجمهور على الاستدلال فقالوا : إن إراقة الصحابة -رضي الله عنهم- للخمر في طرقات المدينة كان على سبيل التخلص منها حيث لم يكن في بيوتهم كنف ولا مجاري يصرفون فيها الخمر فلم يكن بد من إراقتها في الطرقات.
وقالوا إن الخمر لم تكن بالكثرة بحيث تمنع الناس من أن يسيروا في الطرقات .
وقالوا إن إراقتها في التراب وفي الطرقات يكون سببا لزوال نجاستها وليس تنجيس الطرقات لأنها إذا خالطت التراب والشمس والهواء استحالت وتغيرت وتحولت إلى شيء طاهر لأن التراب بنفسه طهور .
وقالوا إن الأمر بإراقة الخمرة في الطرقات مع نجاستها لمرة واحدة لا يضر مقابل أن يعلم الناس حرمتها ، بخلاف النهي عن التخلي في الطرقات فإن هذا النهي لأمر يدوم عمله إلى قيام الساعة وفرق بين هذا وذاك .

• الدليل الثاني : عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما: ((أنَّ رجلًا أهْدَى لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم راويةَ خمْر( )، فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: هل علمتَ أنَّ الله قد حرَّمها؟ قال: لا، فسارَّ إنسانًا، فقال له رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: بِمَ ساررْتَه؟، فقال: أمرتُه ببيعها، فقال: إنَّ الذي حرَّم شُربَها حرَّم بَيعَها، قال: ففتَح المزادةَ حتَّى ذهب ما فيها)( )
وجه الدلالة : قال الشيخ ابن عثمين : وفيه دلالة على ان الخمر لو كانت نجسة نجاسة حسية لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الراوية أن يغسل راويته، كما كانت الحال حين حرمت الحمر عام خبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اهريقوها واكسروها) . (يعني القدور) فقالوا: أو نهريقها ونغسلها؟ فقال: (أو ذاك) .( )
الدليل الثالث : دلالة الاقتران في قوله تعالى : (إنما الخمر و الميسر و الانصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفحلون ) قالوا إن الله تعالى قرن الخمر بالأنصاب والأزلام والميسر فلما كانت ثلاثتها طاهرة طهارة حسية ألحق الخمر بها .
قال الشوكاني : في الآية ما يمنع من حملها على أن المراد بالرجس النجس وذلك اقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام فإنها طاهرة بالإجماع.( )
مناقشة الدليل : يناقش هذا الاستدلال بأنه لا يضر اقتران الميسر والأنصاب والأزلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة ؛ لأن هذه الثلاثة خرجت بالإجماع فبقيت الخمر على مقتضى الكلام.( )
ويناقش هذا الاستدلال أيضاً أن نجاسة الخمر ليس لحرمة شربها ، وإنما لورود الدليل على نجاستها كما في آية المائدة وحديث ثعلبة .
الدليل الرابع : قوله تعالى ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )
وجه الدلالة : أن الله تعالى أباح لهم الصلاة بعد زوال السكر ولم يأمرهم حينها أن يغسلوا أفواههم منها ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
مناقشة الاستدلال : ويناقش هذا الاستدلال بأن الله إنما أباحها لهم لطهارتها في ذلك الوقت ولم يكن الله ليبيح لهم شرب النجس ، لكن هذا الحكم كان في طور التشريع التدريجي لتحريم الخمر ، ثم جاء الحكم بنجاستها متزامنا مع آية التحريم (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) بل إن هذا أوفق إلى مقصد التدرج في التشريع .
الترجيح :
من خلال استعراض أدلة الفريقين ومناقشتها ورد بعضها إلى بعض يتبين لنا اختلاف أدلتهم وعدم صراحة أدلة الفريقين في الدلالة ، ونحن في هذا الحالة لا بد أن نرجع إلى البراءة الأصلية إذا الأصل في الأشياء الإباحة ، والله تعالى لا يبيح لعباده إلا الطاهر . ويتخرج على هذا أن الأصل في الأعيان الطهارة ما لم يأت دليل ينقله عن أصله . وللإمام الصنعاني كلام نفيس يقرر هذا المذهب أنقله بنصه يقول رحمه الله : والحق: أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكذا المخدرات والسموم القاتلة لا دليل على نجاستها. وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نَجس محرم ولا عكس؛ وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها، بخلاف الحكم بالتحريم؛ فإنه يحرم لبس الحرير والذهب، وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعاً.
فإذا عرفت هذا فتحريم الحُمُر والخمر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستهما، بل لا بد من دليل اخر عليه، وإلا بقيتا على الأصل المتفق عليه من الطهارة. فمن ادعى خلافه فالدليل عليه .( )

المسألة الثانية
علة تحريم الخمر

اتفق الفقهاء على أن علة تحريم الخمر هي السكر لأنه وصف ظاهر منضبط مناسب لتحريمها . وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة ضابطة لمسمى الخمر فقال : ” كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام )( )
ثم وضع النبي صلى الله عليه وسلم ضابطاً آخر يبين الحد الذي يتناوله التحريم فقال صلى الله عليه وسلم : (ما أسكر كثيره فقليله حرام )( ) ، وقال :” ما أسكر منه الفرق ، فملء الكف منه حرام ( )”.
وقد قاس الفقهاء ما اكتشفه الناس من المسكرات بالخمر بجامع هذه العلة وهي الإسكار .

المسألة الثالثة
هل الكحول يأخذ حكم الخمر
أولاً : التعريف بالكحول :
لفظ ” الكحول ” مأخوذ من اسم ” الغَوْل ” ، نقله الغربيون عن العرب. ، ويعتبر الكحول المادة الأساسية المسكرة في الخمر ، وهي التي تُذهب العقل وتسبب الإسكار ، بل هي روح الخمر، وتستعمل لاستخراجه طريقتان ( التخمير ) أو ( التقطير )، وفي العصر الحديث اخترعت وسائل كيمائية عديدة لصناعته ( ) .
ومن أشهر أنواع الكحول نوعان ،:
النوع الأول : الكحول الإيثيلي ( الإيثانول ) : وهو سائل مائع عديم اللون ، وهو أكثر الأنواع انتشاراً ، وله استخدامات كثيرة ، يستعمل كمطهر ، ويستخدم بكثرة في صنع العطور ، ومذيب لبعض الأدوية ، وهو الموجود في المشروبات الكحولية .
وهذا الكحول هو المسئول عن إحداث السُكْر في الأشربة وغيرها من الأشياء التي يدخلها
النوع الثاني : الكحول الميثيلي ( الميثانول ) : وهو سائل سام ، يستخدم في تركيب السموم ، والمبيدات ، وهو أسوأ أنواع الكحول ، ولا يستخدم كشراب ؛ لأنه سام ، وقد يؤدي تناوله إلى الوفاة ( ).

ثانيا : هل يلزم من القول بطهارة الخمر ، جواز استعمال الكحول
إن ارتباط حكم الكحول بالخمر على الإطلاق غير مسلم به علمياً ، إذ قد ثبت علميا أن مادة الكحول أنواع كثيرة وليس كل ما يسمى كحولا عند الكيميائيين يكون مسكرا ، فمن الكحوليات ما هو سم قاتل كالميثانول ، ومنه ما هو مسكر كالإيثانول ، وهو المكون الفعال في الخمر ، وأما السوربيتول فهو كحول غير مسكر .
وللدكتور محمد علي البار بحث بعنوان ( الخمر بين الطب والفقه ) تناول فيه أنواع المسكرات والكحوليات بطريقة علمية خلص إلى أن بعض المسكرات هي لب الخمر ، وبعضها إنما هي أخلاط من السموم القاتلة لا تدخل ضمن المسكرات ، وهذا التفريق أمر معروف مقرر لدى منظمات الأغذية العالمية وهيئات مكافحة الجريمة .
وعليه: يمكن القول أن الكحول الذي لا يسكر يبقى على أصل طهارته أذ الأصل في الأشياء الطهارة . وإباحة الاستعمال .
أما الكحول المسكر والذي هو روح الخمر ولبه فهو خمر وكل خمر حرام ، ويأخذ حكم الخمر من حيث تحريم شربه والانتفاع به . والدليل على هذا قوله سبحانه لما نهى عن الخمر ( فاجتنبوه ..) فدل هذا على أن الشرع لم يحرم في الخمر شربها فقط ، بل حرم كلَّ وجوه الانتفاع بها ، من حملها ، وبيعها ، والتداوي بها ، وتخليلها
جاء في “الموسوعة الفقهية: ” ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ الاِنْتِفَاعِ بِالْخَمْرِ لِلْمُدَاوَاةِ ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَوْجُهِ الاِنْتِفَاعِ ، كَاسْتِخْدَامِهَا فِي دُهْنٍ ، أَوْ طَعَامٍ ، أَوْ بَل طِينٍ ” انتهى.( )
وسئلت عائشة رضي الله عنها عَنِ : ” الْمَرْأَةِ تَمْتَشِطُ بِالْعَسَلَةِ فِيهَا الْخَمْرُ ؟ فَنَهَتْ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ النَّهْيِ ” انتهى ( )
وسُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ : ” عَنْ دُرْدِيِّ الْخَمْرِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُتَدَلَّكَ بِهِ فِي الْحَمَّامِ ، أَوْ يُتَدَاوَى بِشَيْءٍ مِنْهُ فِي جِرَاحَةٍ ، أَوْ سِوَاهَا ؟
قَالَ : هُوَ رِجْسٌ ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِهِ ” .( )
المسألة الرابعة
هل العطور التي مزجت بمادة الكحول المسكرة يحرم استعمالها .
على القول بطهارة الخمر ومن ثم الكحول فإننا نتكلم إذا عن عين طاهرة محرمة لعلة غير النجاسة وإنما لعلة الإسكار .
فمتى ما أسكرت حرمت ومتى لم تسكر لا تحرم . وبناء على هذا التأصيل يمكن القول أن العطور التي خلطت بمادة الكحول إن وصلت إلى حد الإسكار فإنه يطلق عليها عندئذ خمر وإن سماها الناس عطراً فهي في الحقيقة خمرة مسكرة يحرم استعمالها بأي نوع من الاستعمال
وإن كانت نسبة الكحول ضعيفة بحيث لا يسكر بها الإنسان إذا شربها فإنها تبقى على أصل حلها .
وقد يقال : إن ما أسكر كثيره فقليله حرام ، ويجيب على هذا الاعتراض الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فيقول : وقد ظن بعض الناس أن قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) . أن معناه ما خلط بيسير فهو حرام ولو كان كثيراً ، وهذا فهم خاطئ فالحديث : ما أسكر كثيره فقليله حرام ، يعني أن الشيء الذي إذا أكثرت منه حصل السكر ، وإذا خففت منه لم يحصل السكر ، يكون القليل والكثير حراماً ، لأنك ربما تشرب القليل الذي لا يسكر ، ثم تدعوك نفسك إلى أن تكثر فتسكر ، وأما ما اختلط بمسكر ونسبة المسكر فيه قليلة لا تؤثر فهذا حلال ولا يدخل في الحديث ” اهـ.( ) .

الخلاصة :
أن الكحول إن كان غير مسكر جاز استعماله بأي نوع من أنواع الاستعمالات بما لا يضر بالإنسان عملاً بأصل الحل
أما الكحول المسكر فهو حرام كالخمر شربه واستعماله ، سواء كان قليلا أم كثيراً ، لكن إن مزج بغيره بحيث إذا شربه الإنسان لا يسكر جاز استعماله ، إذ العلة من تحريمه هي الإسكار وليست النجاسة على ما قررناه في أول البحث
انتهى .والله أعلم .