القول الأول : لا يصح بناء الكافر للمسجد، وبه قال بعض المالكية.
واستدل بعض المالكية: بأن الوقف عبادة؛ لأن الواقف إنما يرجو الثواب، والكافر لا تقبل منه هذه العبادة مع كفره بالله تعالى.
ومما استدل به أصحاب هذا القول :
- أولا : لم يكن ذلك من أمر الله ولا رسوله ولم يفعل ذلك السلف الأول الصحابة والتابعين..
- ثانيا: قال تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخشَ إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} التوبة.-18
- وقال تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) التوبة
- ولما كان الكفر هو مانعهم من شرف إعمار بيوت الله فالتبرع لبنائها اشد واقوى…..
- قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا .
القول الثاني: يصح بناء الكافر للمسجد، وبهذا قال الجمهور.
ومما قاله الشافعية: أن الكافر يثاب على صدقاته في الدنيا، ولكن لا حظ له من الثواب في الآخرة؛ لما أخرجه مسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا، ويجزي بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطعَم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يُجزى بها).
ومما علل به الجمهور أيضا:
- أن الوقف صدر ممن يصح تبرعه، وليس هو قربة محضة، والكافر يصح بيعه وشراؤه فوقفه كذلك.
- وأن مال الكافر مظهور عليه في ال إسلام ، فهو يتعلق به حق للمسلمين .
قال النووى في شرح المهذب: فرع: قال الغزالي: إذا كان معه مال حرام وأراد التوبة والبراءة منه، فإن كان له مالك معين وجب صرفه إليه أو إلى وكيله، فإن كان ميتًا وجب دفعه إلى ورثته، وإن كان لمالك لا يعرفه ويئس من معرفته فينبغي أن يصرفه في مصالح المسلمين العامة، كالقناطر والرُّبَط والمساجد ومصالح طريق مكة، ونحو ذلك مما يشترك فيه المسلمون. اهـ
جاء في الفروع لابن مفلح الحنبلي(11/478):”وَتَجُوزُ عِمَارَةُ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكِسْوَتُهُ وَإِشْعَالُهُ بِمَالِ كُلِّ كَافِرٍ، وَأَنْ يَبْنِيَهُ بِيَدِهِ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي وَقْفِهِ عَلَيْهِ وَوَصِيَّتِهِ لَهُ“. .