حج المرأة بدون محرم

السؤال : هل يجوز أن أذهب للحج والعمرة بدون محرم ، مع العلم أن لدي محرما واحدا لا يستطيع الذهب معي لظروف خاصة به ؟

 الجواب : الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:

فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سفر المرأة بدون محرم  كما جاء في حديث ابن عَبَّاسٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَقُولُ ‏”‏ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ‏”‏ ‏.‏ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا ‏.‏ قَالَ ‏”‏ انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ‏”‏ ‏.‏ رواه مسلم[1]

وقل بعض العلماء هذا الحديث عام في  كل امرأة وكل سفر حتى في سفر الحج ويسقط الحج  عن المرأة عند تعذر وجود المحرم .

لكن بعض العلماء حمل الحديث على انعدام أمن المرأة على نفسها، أما إذا أمنت على نفسها من الضياع وقطاع الطرق فلا بأس  به كأن تكون في رفقة صالحة ونساء ثقات .

وهذا ما نص عليه الشافعي في الأم قال رحمه الله: (لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لَمْ يَسْتَثْنِ فِيمَا يُوجِبُ الْحَجَّ إلَّا الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ ثِقَةٍ مِنْ النِّسَاءِ فَصَاعِدًا لَمْ تَخْرُجْ مَعَ رِجَالٍ لَا امْرَأَةَ مَعَهُمْ وَلَا مَحْرَمَ لَهَا مِنْهُمْ، وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ قَوْلِنَا فِي أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ لِلْحَجِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَحْرَمٌ)([2])

وقال ابن مفلح في الروع : وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: لَا يُشْتَرَطُ الْمَحْرَمُ فِي الْحَجِّ الْوَاجِبِ, قَالَ أَحْمَدُ: لِأَنَّهَا تَخْرُجُ مَعَ النِّسَاءِ وَمَعَ كُلِّ مَنْ أَمِنَتْهُ ([3])

وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . (وَتَحُجُّ كُلُّ امْرَأَةٍ آمِنَةٍ مَعَ عَدَمِ مَحْرَمٍ. ثم قال : وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ فِي سَفَرِ كُلِّ طَاعَةٍ )([4])

وقد استدل من قال بهذا القول بأدلة من السنة والقواعد الشرعية العامة وهي:

أولا: ما رواه البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أذن لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ»([5])

فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك. وهذا يعتبر إجماعا.
ثانيا: ما رواه البخاري من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( … فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ … الخ”.([6])

وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضا، لأنه سيق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.
ثالثا : إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة. ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدا للذريعة.

خامسا : أن السفر في عصرنا هذا مع وجود الحملات الجماعية ووسائل النقل الآمنة ليس كالسفر في العصور السابقة المحفوف بالمخاطر وعليه فقط انتفت الذريعة التي جاء التحريم من أجلها .

وعليه فيمكنك السفر إلى الحج مع الرفقة الآمنة من النساء الثقات إن شاء الله . والله أعلم


[1] رواه البخاري (3006) ومسلم (1341)

([2]) كتاب الأم للشافعي 2/127

([3])كتاب الفروع ومعه تصحيح الفروع لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي 5 /243 .

([4]) الفتاوى الكبرى 5/382 ، ونقله ابن مفلح انظر الفروع (مع التصحيح) 5/245 .

([5]) صحيح البخاري (1860)

([6]) صحيح البخاري ( 3595)