حكم التحايل في طلب المناصب العليا

السؤال :

هل وضعت الشريعة زواجر لمن يتحايل للوصول إلى المناصب العليا في الدولة كمجلس الأمة سواء بالرشوة أو تزييف الحقائق وخداع الناس بطريقة أو بأخرى ؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعل آله وصحبه وسلم وبعد :

فطلب الولاية مكروه ابتداء في الشريعة لأنها أمانة والأسلم للإنسان ألا يشغل ذمته بها لا سيَّما إذا كان ضعيفا أو هناك من هو أقوى منه على حملها، وقد خرج الإمام مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب كراهة الإمارة بغير ضرورة حديثا عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».[1]

قال الإمام النووي رحمه الله: “هذا الحديث أصلٌ عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرّط، وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها، فله فضل عظيم تظاهرت به  الأحاديث الصحيحة”.[2]

وروى البخاري ومسلم باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها )[3]

وروى البخاري وسلم أيضا من حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي رجلان من الأشعريين، فقلت: ما عملت أنهما يطلبان العمل، فقال: «لن – أو لا – نستعمل على عملنا من أراده».[4]

لكن المسلم إن رأى فسادا في هذه الولاية المطلوبة ، ورأى من نفسه القدرة على إصلاحها فينبغي أن يطلبها حرصا منه على إقامة الدين وتفويت الفرصة عل الفاسدين المتربصين بهذه الولاية ، كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام عند عزيز مصر قال الله عنه : (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )[يوسف:55]

وقد يصل الأمر إلى حد الوجوب إن خشي أن يتقلدها فساق أو مبتدعة مع وجود أهل الفضل والقدرة عليها .

بل هذه من النصيحة للأمة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )[5].  

لكن طلب الولاية يجب أن يتقيد بالضوابط الشرعية ، فيجب أن يكون طالبها أهلا لها ، وألا يوجد من هو أفضل منه ممن يرغب بها فإن توافرت الضوابط ، فلا يجوز أن يخرج بطلبها عن الطرق المشروعة فلا يجوز الظلم ولا الرشوة ولا الكذب ولا شهادة زور ، فإن في هذا كله تحايل على الدين ، وخداع للمؤمنين ، وهذا من أكبر الغش والبغي الذي حذر الله منه وتوعد صاحبه بالعذاب الأليم .

قال تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[ الشورى 42].

وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من غشا فليس منا )[6].

والإنسان الذي يسلك هذه الطرق الغير مشروعة ليصل إلى منصب أو ولاية ، إنما يقتطع حق غيره من أهل الكفاءة في هذا المنصب ، وليس بأهل أن يحمل هذه الأمانة وقد أخذها بالغش والخديعة، وكان ما أكله جرَّاء تقلده لهذا المنصب نوع من السحت وأيَّما جسم نبَتَ من سحت فالنار أولى به .

فليحذر الناس من أمثال هؤلاء ، فإن من أعانهم على عملهم هذا شاركهم في الإثم والغش والخديعة للمؤمنين . والله أعلم .  


[1] رواه مسلم (1825)

[2] شرح مسلم 11/210

[3] رواه البخاري (6622) ، ومسلم (1652).

[4] رواه البخاري( 2261) ومسلم (1733).

[5] رواه مسلم(55)

[6] رواه مسلم(101)