حكم الدفن في الليل

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال : ما حكم دفن الميت  في الليل ؟

الجواب :

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإن مسألة الدفن ليلاً من المسائل المختلف فيها عند العلماء بين الكراهة والإباحة وقال ابن حزم بحرمة ذلك وهو قول بعيد.

وممن قال بالكراهة الحسن البصري والإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه مستدلين بما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما، فذكر رجلاً من أصحابه قبض فكُفِّن في كفن غير طائل، وقُبِرَ ليلاً، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصَلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ).([1])

وأما جماهير العلماء فقد قالوا بجواز ذلك ، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد ، وقد استدلوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة.

أما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقبر قد دفن ليلا، فقال: متى دفن هذا. قالو : البارحة . قال : أفلا آذنتموني . قالوا : دفناه في ظلمة الليل ، فكرهنا أن نوقظك . فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس : وأنا فيهم ، فصلى عليه .([2])

ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم الدفن في الليل فدل على الجواز.

وروى أبو داود والحاكم وغيرهما عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: رأى ناس ناراً في المقبرة، فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر، وإذا هو يقول: «ناولوني صاحبكم، وإذا هو الرجل الأواه الذي يرفع صوته بالذكر).([3])

وأما فعل الصحابة رضوان الله عليهم فقد روى الترمذي في الشمائل من حديث محمد الباقر بن علي بن الحسين قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، فمكث ذلك اليوم وليلة الثلاثاء ، ودفن من الليل . قال سفيان : وقال غيره : يسمع صوت المساحي من آخر الليل )([4]) وروي نحوه عن عائشة رضي الله عنها .

 قال ابن قدامة : ( وممن دُفن ليلاً أبو بكر الصديق وفاطمة رضي الله عنها دفنها علي ليلاً ، وعثمان ، وعائشة ، وابن مسعود وغيرهم )([5])  .

قال ابن حجر: كان ذلك كالإجماع منهم على الجواز .([6])

وقالوا أن حديث النهي عن الدفن ليلاً  محمول على الكراهة والتأديب؛ فإن الدفن نهاراً أولى؛ لأنه أسهل على متبعها، وأكثر للمصلين عليها، وأمكن لإتباع السنة في دفنه وإلحاده.([7])

بل إن حديث النهي عن الدفن ليلا يدل على أنه متى جُهِّزَ الميت جاز فدنه ويؤخذ هذا من قول الراوي : (فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ) فدل ذلك على أن الميت إذا صُلي عليه جاز دفنه ليلاً .

والذي يظهر والله أعلم أن الحكم هنا يراعى فيه الأصلح للميت من جهة تجهيزه والصلاة عليه ودفنه .

 قال ابن القيم رحمه الله : (والذي ينبغي أن يقال في ‏ذلك -والله أعلم- أنه متى كان الدفن ليلاً لا يفوت به شيء من حقوق الميت، والصلاة ‏عليه، فلا بأس به، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة ‏عليه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك، وعليه يدل الزجر).([8])‏ والله أعلم


([1]) رواه مسلم (943)

([2]) رواه البخاري (1321)

([3]) رواه أبو داود (3164) والحاكم (3318) وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وحسنه الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين ( 219) . وأما الألباني فضعفه على سنن أبي داود لأجل محمد بن مسلم الطائفي انظر ضعيف أبي داود ( 3164)  .

([4]) صحيح : انظر مختصر الشمائل للألباني (331).

([5]) المغني 2/414

([6])فتح الباري 3/451 .

([7]) المغني 2/415

([8]) مختصر سنن أبي داود 4/308 .