لبس الشراب للمحرم

السؤال :

هل يجوز للمحرم لبس الشراب الرياضي الذي لا يغطي الكعب ؟

الجواب :

الجوارب دون الكعب تأخذ حكم الخف المقطوع من حيث الحظر والإباحة ، لكن العلماء اختلفوا في حكم لبس الخف المقطوع مع وجود النعل لتردده في الشبه بين : الخف ، والنعل ، فمن نظر لكونه يستر أغلب القدم ألحقه بالخف في المنع ، ومن نظر لكونه لا يستر الكعبين أعطاه حكم النعل في الإباحة واختلفوا إلى قولين :

القول الأول :

ذهبوا إلى أصل المنع ، وأن لبس الخف المقطوع إنما هو من باب الرخصة شريطة عدم وجود النعل .

وإليه ذهب المالكية، والحنابلة، وهو الأصح عند الشافعية .

 واستدلوا بالحديث المشهور عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين، فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل من الكعبين. ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس )[1]

فقد شرط النبي صلى الله عليه وسلم في إباحة لبس الخفين عدم النعلين، فدل هذا على أنه لا يجوز اللبس مع وجودهما.

وعللوا أيضا هذا المنع  بأنه مخيط لعضو على قدره، ثم أوجوبوا على لابسه الفدية كالقفازين، وقالوا لأن لابسه يترفه بلبس الخفين في دفع الحر والبرد والأذى، فتجب به الفدية.

وفي منح الجليل: ” فَلا يُلْبَسُ مِنْ النِّعَالُ غَيْرُ مَا لَهُ شِرَاكَانِ يُرْبَطُ بِهِمَا عَلَى الْقَدَمِ لِتَأْتِي الْمَشْيَ خَاصَّةً ، فَلا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ سِبَاطٍ ، وَلا مِزْت ، وَلا شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النِّعَالِ الصَّحْرَاوِيَّةِ ؛ ِلأَنَّ لَهَا فِي عَاقِبِهَا حَارِكًا ، وَِلاتِّسَاعِ شِرَاكِهَا فَتَسْتُرُ كَثِيرًا مِنْ الْقَدَمِ ” انتهى.[2]

وفي المغني : ” فَإِنْ لَبِسَ الْمَقْطُوعَ ، مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ ، فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ ، وَلَيْسَ لَهُ لُبْسُهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ .[3]

وانتصر لهذا القول الإمام النووي رحمه الله وعلل بأن هذا ظاهر النص  فقال في عبارته: وأما لبس المداس والجمجم والخف المقطوع أسفل من الكعبين فهل يجوز مع وجود النعلين فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف والأصحاب (الصحيح) باتفاقهم تحريمه ونقله المصنف والأصحاب عن نص الشافعي وقطع به كثيرون أو الأكثرون وهو مقتضي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق: فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وليقطعهما حتى يكون أسفل من الكعبين. اهـ

ورجح هذا القول ابن عثيمين في الشرح الممتع فقال : والصواب أنه حرام ، وأنه لا يجوز للمحرم أن يلبس كنادر ولو كانت تحت الكعب” انتهى من “[4]

القول الثاني:

قالوا بجواز لبس الخف المقطوع مع وجود النعل ، وأنه يأخذ حكم النعل في أصل الحل . ولا فدية على لابسه  .

وإليه ذهب الحنفية، وبه قال بعض الشافعية  .

واحتجوا بأن النبي صلى االله عليه وسلم أرشد من لم يجد النعلين إلى أن يلبس الخفين ويقطعهما ليكونا أسفل من الكعبين : مما يفيد أنه بعد القطع انتقل من الصورة المحرمة للصورة المباحة ، فدل على إباحة لبس ما دون الكعبين .

قال الكاساني : ” وَرَخَّصَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرُونَ لُبْسَ الصَّنْدَلَةِ ، قِيَاسًا عَلَى الْخُفِّ الْمَقْطُوعِ ؛ ِلأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ” انتهى [5]

وقالوا إنه صار كالنعل بدليل عدم جواز المسح عليه لأنه بالقطع صار في معنى النعلين لأنه لا يستر الكعب .

واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية فقال : ” الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ مَا دُونَ الْكَعْبَيْنِ : مِثْلَ الْخُفِّ الْمُكَعَّبِ ، وَالْجُمْجُمِ ، وَالْمَدَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، سَوَاءٌ كَانَ وَاجِدًا لِلنَّعْلَيْنِ أَوْ فَاقِدًا لَهُمَا “[6] .

وقال عن حديث (فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ ، وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الكَعْبَيْنِ) : ” دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْطُوعَ كَالنَّعْلَيْنِ : يَجُوزُ لُبْسُهُمَا مُطْلَقًا ، وَلُبْسُ مَا أَشْبَهَهُمَا مِنْ جُمْجُمٍ

وَإِنَّمَا قَالَ ( لِمَنْ لَمْ يَجِدْ ) ؛ ِلأَنَّ الْقَطْعَ مَعَ وُجُودِ النَّعْلِ إفْسَادٌ لِلْخُفِّ ، وَإِفْسَادُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، بِخِلافِ مَا إذَا عَدِمَ الْخُفَّ ، فَلِهَذَا جَعَلَ بَدَلا فِي هَذِهِ الْحَالِ ِلأَجْلِ فَسَادِ الْمَالِ” وَمَدَاسٍ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَوَجْهٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي جَدِّي أَبُو الْبَرَكَاتِ – رَحِمَهُ اللَّهُ – فِي آخِرِ عُمُرِهِ لَمَّا حَجَّ … انتهى [7]

وقال: في شرح العمدة ” فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ: ( فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ) بَيَانٌ لِمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْخُفِّ الْمَمْنُوعِ ، وَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلِ الْمُبَاحِ ، وَإَِّلا لَمْ يَكُنْ فَرْقٌبَيْنَ لُبْسِهِمَا مَقْطُوعَيْنِ وَصَحِيحَيْنِ ، وَجَعَلَ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَ لِمَا تَقَدَّمَ ، ثُمَّ إِنَّهُ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي لُبْسِ الْخُفِّ وَالسَّرَاوِيلِ لِلْعَادِمِ ، فَبَقِيَ الْمَقْطُوعُ ، كَالسَّرَاوِيلِ الْمَفْتُوقِ : يَجُوزُ لُبْسُهُ بِكُلِّ حَالٍ .

وَأَيْضًا: فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَهَى الْمُحْرِمَ عَنِ الْخُفِّ ، كَمَا رَخَّصَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، وَالْمَقْطُوعُ وَمَا أَشْبَهَ مِنَ الْجُمْجُمِ ، وَالْحِذَاءِ وَنَحْوُهُمَا : لَيْسَ بِخُفٍّ ، وَلا فِي  مَعْنَى الْخُفِّ ، فَلا يَدْخُلُ فِي الْمَنْعِ ، كَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْمَسْحِ ، َلا سِيَّمَا وَنَهْيُهُ عَنِ الْخُفِّ : إِذْنٌ فِيمَا سِوَاهُ ؛ ِلأَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ، فَقَالَ: (َلا يَلْبَسُ كَذَا.. ) ، فَحَصَرَ الْمُحرَّمَ ، فَمَا لَمْ يَذْكُرْهُ فَهُوَ مُبَاحٌ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَلْحَقَ بِالْخُفِّ ، أَوْ بِالنَّعْلِ ، وَهُوَ بِالنَّعْلِ أَشْبَهُ ، فَإِنَّهُ َلا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ كَالنَّعْلِ .

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَدَمَ عُضْوٌ يَحْتَاجُ إِلَى لُبْسٍ ، فَلا بُدَّ أَنْ يُبَاحَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الْحَاجَةُ ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ َلا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ ، فَلا بُدَّ أَنْ يُرَخَّصَ لَهُمْ فِيمَا يُشْبِهُهُ مِنَ الْجُمْجُمِ وَالْمَدَاسِ وَنَحْوِهِمَا “[8] 

واختار هذا القول الشخ ابن باز رحمه االله تعالى ، فقال : ” الذي يلبس كنادر تحت الكعبين : لا حرج فيها ؛ لأنها من جنس النعال في أصح قولي العلماء ؛ لأن الرسول صلى االله عليه وسلم قال للذي لم يجد النعلين: (يلبس الخفين ويقطعهما أسفل من الكعبين) .

فدل ذلك على أن المقطوعين من جنس النعال ، وقد صحح كثير من أهل العلم جواز لبس الخفين من دون قطع عند فقد النعلين .

فالحاصل : أن المقطوع هو الشيء الذي صنع تحت الكعب هذا لا بأس به ، فإذا كانت الكنادر تحت الكعبين لا تستر على الكعبين فحكمهما حكم النعال ، ولا حرج في ذلك ” .[9]

وإذا علم هذا تبين أن القول بالجواز قول قوي ظاهر، وهو القول الذي أختاره  لموافقته لمقصد الشريعة من التيسير على الحاج  والله أعلم  .


[1] رواه البخاري (1543) ، ومسلم ( 1177)

[2] شرح مختصر خليل ” (2/260)

[3] المغني 3/282

[4] مجموع الفتاوى” (22/136) .

[5] بدائع الصنائع ” (2/184).

[6] مجموع الفتاوى” (26/110).

[7] الفتاوى الكبرى” (1/327).

[8] شرح عمدة الفقه”(46 /3) .

[9] فتاوى نور على الدرب ” (17/275) .