نقض الإجماع على وجوب تغطية وجه المرأة

بسم الله الرحمن الرحيم

هل يصح الإجماع في وجوب ستر المرأة وجهها وكفيها ؟

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،،، أما بعد : 

فمسألة تغطية وجه المرأة من الأجانب مسألة جرى فيها خلاف مشهور بين الصحابة ومن بعدهم ولم تتفق المذاهب الأربعة فيها على حكم . على انهم متفقون على وجوب ستر وجهها إذا خشيت الفتنة للرجال واختلفوا فيما عدا ذلك .

ودعوى الإجماع فيها بوجوب ستر الوجه مطلقا غير صحيحة وفيها تحميل لأقوال الأئمة على غير مرادها . وقد نص كثير منهم على خلاف ذلك مما يدل على أن دعوى الإجماع أو حتى الاتفاق في المسألة غير صحيح ومن هذه الأقوال :

من الحنفية :

قال الطحاوي :  أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرّم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى  [1].

من المالكية :

جاء في الموطأ:   سئل مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم منها أو مع غلامها؟ فقال مالك: ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرفُ للمرأة أن تأكل معه من الرجال قال: وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله.[2]
قال الباجي في   يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها.[3]
قال ابن القطان بعد أن ذكر هذا النص عن مالك:   وهذا نص قوله. وفيه إباحة إبدائها وجهها وكفيها للأجنبي. إذ لا يتصور الأكل إلا هكذا. وقد أبقاه الباجي على ظاهره  . [4]
وفي كتاب   البيان والتحصيل   لابن رشد الجد عن مالك أنه سئل عما يظهر من وجه المرأة، فأدار عمامته تحت ذقنه وفوق حاجبيه معلناً بذلك جواز ظهور دائرة الوجه…. وكذلك في   المدونة  [5]ونقله ابن عبد البر في   التمهيد  [6] وارتضاه. 
وذكره القرطبي في تفسيره قال: قلت : هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة[7]

ويقول العلامة ابن عاشور : ((وجمهور الأئمة على أن استثناء إبداء الوجه والكفين من عموم منع إبداء زينتهن يقتضي إباحة إبداء الوجه والكفين في جميع الأحوال لأن الشأن أن يكون للمستثنى جميع أحوال المستثنى منه, وتأوله الشافعي بأنه استثناء في حالة الصلاة خاصة دون غيرها وهو تخصيص لا دليل عليه)).

من الشافعية : قال الإمام الشافعي: وكل المرأة عورة، إلا كفيها ووجهها. وظهر قدميها عورة .[8] واختاره البيهقي[9] والبغوي[10] والنووي[11] .

وقال ابن حجر، رحمه الله: استمر العمل على جواز خروج النِّساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات؛ لئلا يراهنَّ الرِّجال.[12]

والكلام عن الجواز .

من الحنابلة :

قال ابن قدامة :(ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء.[13] 
وقال المردادوي : (الصّحِيحُ مِنْ الْمذْهبِ أنّ الْوجْه ليْس بِعوْرةٍ. وعليْهِ الأصْحابُ. وحكاهُ الْقاضِي إجْماعًا[14].

وقال ابن مفلح : ( قال العلماء رحمهم الله تعالى: وفي هذا حجة على أنه لا يجب على المرأة أن تستر وجهها في طريقها وإنما ذلك سنة مستحبة لها)[15]

وإذا علم هذا فينبغي لطالب العلم تحري النقل وتناول المسائل العلمية بتجرد والبعد عند التعصب واتهام النيات والطعن في ديانات والناس وأماناتهم ، وليسعه في الخلاف ما وسع الأئمة قبله والله أعلم . 


[1] شرح معاني الآثار (2/392) ، وذكره الكاساني بدائع الصنائع 5/121، وكذلك السرخسي في المبسوط (10/152-153)

[2]  الموطأ برواية يحي 2/935.

[3]  المنتقى شرح الموطأ 7/252.

[4] النظر في أحكام النظر (ص143)

[5] المدونة: 2/221

[6] التمهيد: 15/111

[7]  تفسير القرطبي :12/229

[8] الأم :1/89

[9]  السنن الكبرى 7/85

[10] شرح السنة 9/23

[11] المجموع 6/15

[12] فتح الباري 9/337.

[13] المغني 1/349

[14] الإنصاف 1/452.

[15] الأداب الشرعية 1/316