هل الكفار يمرون على الصراط

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال:

فضيلة الشيخ: هل الكفار يمرون على الصراط، أرجو التفصيل في الجواب؟

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 

فإن النصوص الواردة في مرور الناس على الصراط كثيرة منها:

  • قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا، ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) ([1])
  • وقوله تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ).([2])
  • وقوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ، قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)
  • وقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)([3])
  • عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله، من بر أو فاجر، وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله، فيقال: كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة، ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم، ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهره طبقا واحدا، ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم..) ([4])
  • وفي رواية: وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَنَا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ …)([5]) .

والذي تدل عليه ظواهر النصوص أن الناس يوم القامة ثلاثة أقسام:

  • القسم الأول: وهم الكفار الذين أظهروا الكفر في الدنيا وماتوا عليه، فإنهم يوم القيامة يسحبون على وجوههم إلى جهنم.

قال ابن رجب رحمه الله: (واعلم أن الناس منقسمون الى مؤمن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ومشرك يعبد مع الله غيره فأما المشركون فانهم لا يمرون على الصراط وانما يقعون في النار قبل وضع الصراط)([6])

وقال في موضع أخر بعد ذكر حديث ابي سعيد في الصحيحين: فهذا الحديث صريح في أن كل من أظهر عبادة شيء سوى الله، كالمسيح وعزير من أهل الكتاب، فإنه يلحق بالمشركين في الوقوع في النار قبل نصب الصراط..)([7])

  • القسم الثاني: وهم الكفار المنافقون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وهؤلاء يكونون مع المؤمنين في فسطاط واحد كما قال عليه الصلاة والسلام: (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها)، وينصب لهم الصراط على جسر جهنم، فإذا ولجوا فيه أظلم عليهم فيزلقون فيه ويسقطون إلى جهنم.

قال الإمام النووي: قال العلماء إنما بقوا في زمرة المؤمنين لأنهم كانوا في الدنيا متسترين بهم فيتسترون بهم أيضا في الآخرة وسلكوا مسلكهم ودخلوا في جملتهم وتبعوهم ومشوا في نورهم حتى ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وذهب عنهم نور المؤمنين قال بعض العلماء هؤلاء هم المطرودون عن الحوض الذين يقال لهم سحقا سحقا والله أعلم.([8])

  • القسم الثالث: المؤمنون الذين ماتوا على الإيمان فيهم المحسن والمسيء، فإن هؤلاء يعطون من النور على قدر أعمالهم فيجتازون الصراط فمن لم يسعفه عمله انطفأ نوره فزلق فدخل النار للتمحيص وهم الموحدون الذين يدخلون النار بسبب ذنبوهم ثم يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان.

قال الألباني رحمه الله: والدخول حقيقة لا بد من أن يقع بالنسبة لجميع الناس صالحيهم وطالحيهم، إلا أن هناك فرقاً جوهرياً بين الصالح والطالح، فالصالح يدخلها مروراً، أما الطالح فيدخلها سقوطاً وعذاباً.([9])

        قال ابن تيمية رحمه الله :):وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته فإنه لا حسنات لهم ولكن تعد أعمالهم فتحصى فيوقفون عليها ويقررون بها ….والصراط منصوب على متن جهنم وهو الجسر الذي بين الجنة والنار يمر الناس على قدر أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يعدو عدوا ومنهم من يمشي مشيا ومنهم من يزحف زحفا ومنهم من يخطف خطفا ويلقى في جهنم فإن الجسر عليه كلاليب تخطف الناس بأعمالهم فمن مر على الصراط دخل الجنة فإذا عبروا عليه وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم دخول الجنة ) انظر العقيدة الواسطية (ص34

        وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على العقيدة الواسطية: قوله:” يمر الناس على قدر اعمالهم – اي على الصراط – ” المراد بالناس هنا: المؤمنون، لأن الكفار قد ذهب بهم الى النار. أ. هـ([10]).

        وقال ابن باز رحمه الله: والكفار لا يمرون عليه بل يساقون إلى النار، ويحشرون إليها كما ضيعوا أمر الله، وأشركوا به وكفروا به، يحشرون إليها.([11]) والله أعلم.


([1]) سورة مريم (71)

([2]) سورة القمر (47)

([3]) سورة الحديد (13، 14)

([4]) رواه البخاري (ح7439) ومسلم (ح183)

([5]) مسلم (ح182)

([6]) التخويف من النار ص187

([7]) المصدر نفسه، ص 237

([8]) شرح صحيح مسلم 3/18.

([9]) سلسلة الهدى والنور أشرطة مفرغة الدرس السابع

([10]) شرح العقيدة الواسطية ص85

([11]) مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله 28/33.