أيها الفرقاء لا تغرقوا سفينتكم بخلافاتكم


بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى قومي أهل الكويت
الحمد لله القائل (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا [آل عمران 103]، والصلاة والسلام على رسوله القائل: (لا تَحاسدُوا، وَلا تناجشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلا تَدابرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّه إِخْوانًا، المُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم: لا يَظلِمُه، وَلا يَحْقِرُهُ، وَلا يَخْذُلُهُ، بِحسْبِ امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِر أَخاهُ المُسْلِمَ، كُلّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حرامٌ: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ رواه مسلم
والقائل صلى الله عليه وسلم: (ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻨﺼﻴﺤﺔ ﺛﻼﺛﺎ)، ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻤﻦ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ؟، ﻗﺎﻝ: ﻟﻠﻪ ﻭﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﻭﻟﺮﺳﻮﻟﻪ ﻭﻷﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﻋﺎﻣﺘﻬﻢ (ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ.)
وبعد: فلا زلنا نرقب عن كثب ما يجري في بلدنا الحبيب الكويت من سجال حاد بين الأطراف السياسية، وقلوبنا في أيدينا، سائلين الله تعالى أن يصلح الحال ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، آملين أن تنفرج الغمة وتنجو السفينة بأهلها، لكننا نرى الشيطان يوقد نار الفتنة بين الإخوة ويذكي النعرات القبلية ويظهر القبيح ويخفي الجميل بين الإخوة في الوطن الواحد، فكان لزاماً علينا أن نرفع صوت النصيحة للجميع، ونذكرهم بما يجب عليهم تجاه وطنهم والذكرى تنفع المؤمنين.
أولاً: نذكركم أيها الفرقاء بأن المصلحة العامة للوطن مقدمة على ما دونها، فدعوا الصراعات السياسية بينكم خارج قبة عبد الله السالم، فهذه القبة خصصت لمناقشة الأمور العامة، وقوموا بحل المشاكل المتراكمة التي يعاني منها الوطن والمواطن والمقيم.
ثانيا: احترام الحاكم ورعاية حقه ركن أساسي في علاقة الحاكم والمحكوم، وهو واجب على كل فرد في هذا البلد، وهو من مقتضيات البيعة التي تحملها كل مواطن تجاه حاكمه، ومعلوم ان سمو الأمير يمارس سلطاته بواسطة الوزراء، فاحترام الحكومة المكلفة من قبل الأمير هو احترام لمقام الإمارة، كما يجب التفريق بين وجوب الاحترام كسلوك وبين القناعة من عدمها بما تفعله الحكومة، فالخطأ من جانبها لا يبرر عدم احترامها وإعلان العداء والخصام نحوها. بل تقويم اعوجاجها مطلوب منكم ومنا. وهذا الحق الذي رعته الشريعة إنما يقصد به رعاية المصلحة العامة ولا تتحقق إلا باحترام الحاكم، وقد أشار إليه القرافي -رحمه الله-في كتابه الذخيرة[13/234] حيث قال:” قاعدةٌ: (ضبطُ المصالحِ العامة واجب: ولا تنضبط المصالح العامة إلا بعظمةِ الأئمةِ في نفوسِ الرعية، ومتى اختلفت عليهم أو أُهينوا تعذرت المصلحة)”.
ثالثا: بذل النصيحة واجب شرعي، وما ضاعت النصيحة في قوم إلا هلكوا بفسادهم، والدين النصيحة، وفي الحديث: المؤمنون نَصَحَة والمنافقون غَشَشَة، و(من رأى منكم منكرا فليغيره) …. ولكن شرط النصيحة ان تكون بالحسنى وألا تؤدي إلى مفسدة أعظم، قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) وفي الشريعة الإسلامية قاعدة عظيمة: أنه لا يجوز إنكار المنكر إذا أدى إلى منكر أعظم منه، والمعيار هنا قاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، والمفسدة العظمى تدرأ بارتكاب المفسدة الصغرى.
رابعا: قبول النصيحة واجب شرعي ، والحاكم أولى الناس بالنصيحة ، وأولاهم بسماعها وبقبولها ، لأن الحاكم تتعلق به مصالح الأمة كلها ، فاستقامته استقامة للأمة وحيدته عن الحق تؤدي إلى الفساد والسقوط وذهاب الأمن، وقد صعد أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم ولي الخلافة على الناس فقال مخاطبا لهم: (لقد ولّيتُ عليكم ولست بخير منكم، فإن رأيتموني على الحق وأحسنت فأعينوني، وإن رأيتموني على الباطل وأسأت فقوموني)، وكذا في قول عمر رضي الله عنه لما ولي الخلافة: (لا خير فيكم إذا لم تقولوها أي النصيحة، ولا خير فينا إذا لم نسمعها) فهذان وزيرا النبي صلى الله عليه وسلم وخليفتاه يرسمان بهذين الموقفين بيئة التناصح بين الحاكم والمحكوم القائمة على الإخلاص فيها والجدية في قبولها .
خامسا: إثارة النعرات جاهلية جهلاء، وما نراه اليوم في الساحة من إذكاء هذه النعرات القبلية والعائلية لا ينُمّ إلا عن جهل بحوادث التاريخ وعدم اكتراث بعواقب الأمور، ولماّ سمع النبي صلى الله عليه وسلم الأصوات من هنا وهناك تقول بعضها يا للمهاجرين وبعضها تقول يا للأنصار، استشاط غضبا وقال أبدعوى الجاهلية وأنا بين ظهرانيكم، إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن رضي بالتحريش بينهم، فأي نصيحة تلك التي تقوم على التحشيد القبلي والعائلي ضد الطرف الآخر !! إن هذه والله بدايات لفتنة عظيمة لا يحسب أطرافُها عواقبَها، وأول ما تحرق النار مذكيها.
سادسا: نواب الأمة جعل لكم الدستور مكانة عالية فأنتم اهل الحل والعقد، ونحن معكم بالقيام بمهمتكم بعدل وصدق، ولكم حق الرقابة والتشريع والمحاسبة، ولكن لا بد من مراعاة الحكمة والموازنة بين المصالح والمفاسد والصبر على الإصلاح والبناء، فالبناء صعب والهدم سهل فسددوا وقاربوا ولينوا بأيدي إخوانكم واتركوا الحدة والاندفاع في الطرح فالاجتهاد في باب الإصلاح تختلف فيه وجهات النظر ولا بد من مراعاة أدب الخلاف عند وجوده.
سابعا: علاقة النواب بالحكومة علاقة تكامل وتعاضد، لا علاقة معارضة ومشاقة، ومهمة الرقابة لا تعني الشقاق والخصام، والإسلام دعا إلى التعاون والتآزر التناصح، قال تعالى:” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”. المائدة آية 2.
ثامنا: أيها الإخوة الفرقاء في البيت الواحد لا بد من احترام القانون والعمل على وفقه بالمعروف، وما أبداه البعض من الخروج عن الدبلوماسية في الحوار إبداء الرأي شيء مخزٍ يسر العدو ويحزن الصديق، لا يليق بإنسان عادي فضلا عن مسؤول أو ذي منصب يقتدي به الناس.
أخيرا: أبرزوا الحسنات ونموها واغمروا السيئات وصححوها، فهذا من العدل، قال تعالى منصفا أهل الكتاب: “وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا.”، وقد لاحظنا جميعا قيام الحكومة بخطوات جادة في طريق الإصلاح كتحويل المتورطين في التعدي على المال العام إلى السلطة القضائية، وفيهم من هم من الأسرة الحاكمة وأصحاب مناصب كبيرة. أليس هذا من الحسنات؟! وهذا قليل ما يحدث عند غيرنا.
هذا ونسأل الله تعالى لهذه الأمة رأب الصدع وحسن العاقبة، وأن يولي عليها خيارها ويحفظ عليها دينها وأمنها.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.