س : ما المقصود بالذي عنده علم من الكتاب في قوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ )[1].
ج : اختلفت أقوال المفسرين في من هو المراد بالذي عنده علم من الكتاب ، وما هو هذا العلم على أقوال وإليك بعض أقوالهم ، وسترى أن جمهورهم متفقين على أنه رجل من الإنس من أصحاب سليمان ، وأن العلم الذي يحمله اسم الله الأعظم .
- قال ابن جرير الطبري : الذي عنده علم من الكتاب : هو رجل من الإنس عنده علم من الكتاب فيه اسم الله الأكبر، الذي إذا دعي به أجاب.([2])
- وقال الواحدي : وهذا قول أكثر المفسرين في الذي عنده علم من الكتاب([3])
- وفي تفسير مقاتل ابن سليمان : هو رجل من الإنس من بني إسرائيل كان يعلم اسم الله الأعظم، وكان الرجل اسمه آصف بن برخيا بن شمعيا بن دانيال.([4])
- وعن مجاهد قال: الاسم الذي إذا دعي به أجاب، وهو: يا ذا الجلال والإكرام.([5])
- وعن الزهري، قال: دعا الذي عنده علم من الكتاب: يا إلهنا وإله كلّ شيء إلها واحدا، لا إله إلا أنت، ائتني بعرشها، قال: فمثل بين يديه.([6])
- قال ابن عطية: قالت فرقة بل هو سليمان عليه السلام والمخاطبة في هذا التأويل للعفريت لما قال هو أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، كأن سليمان عليه السلام استبطأ ذلك فقال له على جهة تحقيره أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ واستدل قائل هذا القول بقول سليمان. هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي.([7])
- تلخيص أقوال المفسرين في المسألة : قال أبو الفرج ابن الجوزي ي زاد المسير :
(قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ وهل هو إِنسي أم مَلَك؟ فيه قولان:
أحدهما: إِنسيّ، قاله ابن عباس، والضحاك، وأبو صالح، ثم فيه أربعة أقوال: أحدها: أنَّه رجل من بني إِسرائيل، واسمه آصف بن برخياء، قاله مقاتل. قال ابن عباس: دعا آصف- وكان آصف يقوم على رأس سليمان بالسيف- فبعث اللهُ الملائكة فحملوا السرير تحت الأرض يَخُدُّون الأرض خَدّاً، حتى انخرقت الأرض بالسرير بين يدي سليمان. والثاني: أنه سليمان عليه السلام، وإِنما قال له رجل: أنا آتيك به قبل أن يرتد إِليك طَرْفك، فقال: هات، قال: أنت النبيُّ ابن النبيِّ، فان دعوتَ الله جاءكَ، فدعا اللهَ فجاءه، قاله محمّد بن المنكدر. والثالث: أنَّه الخضر، قاله ابن لهيعة. والرابع: أنه عابد خرج يومئذ من جزيرة في البحر فوجد سليمان فدعا فأُتيَ بالعرش، قاله ابن زيد. والقول الثاني: أنه من الملائكة، ثم فيه قولان: أحدهما: أنه جبريل عليه السلام. والثاني: مَلَك من الملائكة أيَّد اللهُ تعالى به سليمان، حكاهما الثعلبي. وفي العِلْم الذي عنده من الكتاب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه اسم الله الأعظم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. والثاني: أنه عِلْم كتاب سليمان إلى بلقيس. والثالث:
عِلْم ما كتب اللهُ لبني آدم، وهذا على أنه مَلَك، حكى القولين الماوردي.([8])
- ولابن عثيمين رحمه الله توجيه جيد زائد عما سبق من كلام العلماء حيث قال في تفسير هذه الآية: : هو آصف بن برخيا كان صديقا يعلم اسم الله الأعظم ، الذي إذا دعي به أجاب ، وهو معلوم أن اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، لكن يحتمل أنه إذا دا به هذا الرجل الذي عنده علم من الكتاب ، يعني أن هذا الرجل قد جرب ، وقد عرف أنه إذا دعا الله تعالى بهذا الاسم أجابه ، فيكون هنا الأنسب أن يقال : إذا دعا بهذا الاسم أجاب .
وهذا أيضا ليس بلازم أن يكون هذا الإنسان الذي عنده علم من الكتاب يريد أني سأل الله تبارك وتعالى باسمه الأعظم ، وإنما نقول : هذا الرجل أعطاه الله تعالى علما من الكتاب المنزل ، ولا شك أن الإنسان العالم يعرف الأدوات والصيغ التي تكون أقرب إلى الإجابة ، سواء باسم الله الأعظم أم بغيره .([9])
انتهى والله الموفق ،،
[1] النمل: 40
([2]) تفسير الطبري 19/461 .
([3]) تفسير الواحدي 3/378.
([4]) تفسير مقاتل ابن سليمان 3/307
([5]) تفسير الطبري 19/466.
([6]) تفسير الطبري :19/465
([7]) تفسير ابن عطية 4/261.
([8]) زاد المسير في علم التفسير 3/36.
([9]) التفسير الثمين 8/89 .