بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال :
هل للزوج أن يشترط على زوجته العاملة أن تشاركه في نفقة البيت بجزء من راتبها ؟
الجواب :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ،،، أما بعد :
فالأصل في الشريعة أن النفقة تكون على الزوج لحق المرأة ، وليس على المرأة أن تنفق من مالها على البيت سواء كانت غنية أو فقيرة وسواء كان الرجل غنيا أو فقيراً على تفصيل عند الفقهاء شفي هذه المسألة .
وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. قال الله ـ تعالى ـ: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}([1]) فدلت الآية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وأن إلزامه بهذا الواجب من أسباب جعل القوامة له عليها. وقال ـ عز وجل ـ: {لينفق ذوسعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لايكلف الله نفساً إلا ماآتاها}([2]) وقد جاءت هذه الآية في سياق أحكام الزوجات، والخطاب فيها للأزواج أن ينفقوا على زوجاتهم بقدر استطاعتهم، والأمر للوجوب.
لكن الفقهاء اخلتفوا في علة وجوب النفقة على الزوجة إلى ثلاثة أقوال :
الأول : أن العلة هي تمكين المرأة من نفسها لزوجها وهو قول الجمهور ، وزاد الشافعية تمكينه من الاستمتاع بها ، والتنقل معه حيث شاء من البلاد كما نقله الماوردي([3])
والثاني : أن العلة هي حبس المرأة نفسها لحق زوجها . وهو قول الحنفية .
قال الكاساني : ولسنا نقول إنها تجب مقابلة الحبس بل تجب جزاء الحبس([4]) ومعناه أن المرأة باحتباسها في البيت لا تبقى لها فتأخذ جزاءه نفقتها بناء على أن كل محبوس لمصلحة غيره يلزمه نفقته([5])· وتستوي عندهم في استحقاقها المرأة الصغيرة والكبيرة·
الثالث : أن العلة هي الزوجية فمتى ما كانت قائمة وجبت النفقة سواء مكنت المرأة نفسها أم لا ولو ناشزاً لأن الشرع جعل علاج النشوز بالوعظ والهجر في المضجع والضرب لا بإسقاط النفقة· وهو قول ابن حزم .([6])
والذي يترجح عندي هو قول الحنفية لأمور :
- أن تعليل وجوب النفقة بحصول الاستمتاع لا يختص به الرجل فقط حتى نوجب عليه النفقة بل يصل للزوجة أيضا والنبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة رفاعة : لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك([7]) . فلا يسلم هذا التعليل .
- أن النفقة تجب للمرأة حتى مع غياب زوجها أو مرضه ، وفي هاتين الحالتين تنعدم العشرة والاستمتاع ولو كانت النفقة عوضا عنه لمنعناها عن الزوجة مدة الانقطاع ، وهذا لم يقل به أحد .
- أن الفقهاء متفقون على وجوب إذن الزوج لخروج المرأة للعمل لتعلق حقه بها، فمتى اشترط الزوج مع الإذن شرطاً وقبلت به المرأة وجب عليها الوفاء به لقول النبي صلى الله عليه وسلم : المؤمنين على شروطهم …([8]).
- ثم إن خروج الزوجة من البيت للعمل يقتضي تفويت مصالح الزوج ويكون احتباس المرأة ناقصاً لا تستحق معه نفقتها كاملة ، وبناء عليه فلا يحق لها أن تطالبة بكامل النفقة أو ان تمتنع عن شرطه في مشاركته النفقة على البيت لتفويتها بعض حقه والله أعلم
([1]) النساء (34)
([2]) الطلاق (71)
([3]) الحاوي الكبير للماوردي: ج11/438·
([4]) بدائع الصنائع 4/16
([5]) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 3/572
([6]) المحلى بالآثار 9/112
([7]) رواه بلفظه أبو داود ( 2309) بإسناد صحيح . وهو في الصحيحين.
([8])رواه الترمذي(1352) وأبو داود ( 3594)بإسناد حسن