السؤال: قال J: «إن الله لا يمل حتى تملوا»، هل نثبت لله تعالى صفة الملل؟
الفتوى: الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه، عن عائشة J؛ أن النبي ﷺ دخل عليها، وعندها امرأة، فقال: «من هذه؟»، قالت: فلانة. تذكر من صلاتها، قال: «مَه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل اللهُ حتى تملوا»، وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه.[1]
استدل بعض العلماء بهذا الحديث على إثبات صفة الملل لله تعالى، ولكن ملل الله سبحانه ليس كملل الخلق؛ إذ إن مللهم قصور؛ لأنه بسبب الضجر والسآمة واستثقال الأمر، وهذا محال في حق الله تعالى بالاتفاق.
قال القاضي أبو يعلى الفراء: «اعلم أَنَّهُ غير ممتنع إطلاق وصفه تَعَالَى بالملل لا عَلَى مَعْنَى السآمة والاستثقال ونفور النفس عَنْهُ، كَمَا جاز وصفه بالغضب لا عَلَى وجه النفور، وكذلك الكراهة والسخط والعداوة…»[2]
ومن العلماء من قال: معناه: لا يعاملكم معاملة المال، فينقطع عنكم ثوابه وجزاؤه وبسط فضله ورحمته حتى تقطعوا عملكم، وعلى هذا يكون المراد بالملل لازم الملل. نقله النووي عن بعض المحققين.[3]
ومن العلماء من قال: إن الحديث لا يدل على صفة الملل له تعالى إطلاقًا، قال صديق حسن خان: وجنح بعضهم إلى تأويلها؛ فقيل: معناه: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعل كذا حتى يبيض الفأر، أو حتى يشيب الغراب. فلا يستلزم حدوث الثاني، وهكذا لا يستلزم ثبوت الملل لله تعالى.[4]
والخلاصة:
الذي يجب علينا أن نعتقده في حق الله تعالى؛ أن الله منزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أن هذا الحديث شاهد على صفة الملل لله تعالى؛ فالمراد به ملل لا يشبه ملل المخلوقين. والله أعلم.
[1] رواه البخاري (43) ومسلم (785) واللفظ له
[2] كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات 1/369.
[3] شرح النووي على صحيح مسلم 3/439.
[4] عون الباري 1/153.